الإدراك
يعتبر الإدراك هو معالجة الدماغ للمعلومات التي تأتي من الحواس، بحيث يقوم النظام العصبي المركزي المعقد على تحديد وتنظيم وتفسير المعلومات لفهم العالم المحيط بنا، وتتم هذه المعالجة خارج وعي الإنسان، وتعتبر هذه العمليّة الحسيّة فرديّة، لذلك يواجه العديد من الأشخاص نفس الموقف ولكنهم يدركونها بطريقة تختلف عن الآخر، وتساعد على رؤية العالم كمكان مستقر بالرغم من تغيّر المعلومات الحسية التي نتلقاها وتكون غير كاملة أحياناً.
قام الناس بدراسة الإدراك لحاجتهم إلى حل مشاكل معيّنة في حياتهم، والذي ينشأ بسبب فضولهم الفكري حول أنفسهم والعالم من حولهم. ومن الضروري معرفة نوع المطالب الإدراكيّة التي يمكن وضعها على الأحاسيس البشريّة دون المساس بالسلامة والصحة العقليّة. فعند إدراك الشخص لحدث معيّن يقوم الدماغ باختيار وتنظيم وإدماج المعلومات الحسيّة لبناء حدث ما، فهو الذي يخلق الوجوه والألحان والأوهام من المواد الخام من الإحساس، فهذا التعقيد مهم في إدراك الأحداث وهذا ما نصّ عليه نظريّة (جستا لت)، فالناس بحاجة إلى الإدراك لحل مشاكل معيّنة في حياتهم، وتحديد الظروف البيئة الخطيرة المحتملة التي تهدد حواس الإنسان، وتضعف قدرته على اتخاذ القرارات.
يرتبطُ الإدراك بالإحساس ارتباطاً وثيقاً، ولا يمكن أبداً الفصل بينهما، وذلك لأنهما جزء من عمليّة واحدة ومستمرة، أما في العمليّات البشريّة فإن العملية تحفّز وتترجم الحواس إلى تجارب منظّمة، وبما أن هناك العديد من المحفّزات في البيئة المحيطة وتجذب انتباه الناس من خلال حواسهم فهم قادرون على إعطاء وصف دقيق للمشاهد والروائح والأصوات التي تستقر في تجربتهم الواعيّة.
خطوات عمليّة الإدراك
هناك بعض الخطوات التي تحدث من خلالها عمليّة الإدراك:
التحفيز: إن البيئة من العالم حولنا مليء بالمحفزات التي يمكن أن تجذب انتباهنا من خلال الحواس المختلفة، والحافز البيئي هو كل شيء في البيئة المحيطة بنا، بحيث لدينا القدرة على إدراكه، ويشمل ذلك أي شيء يمكن رؤيته أو لمسه أو تذوقه أو شمه أو سماعه.
التفسير: بعد إدراك أي شيء من المحفّزات البيئيّة من حولنا، يتم نقل رسالة مرئيّة إلى الدماغ لتفسيرها.
المعالجة: تخضع الرسائل المفسّرة من قبل الدماغ للمعالجة العصبية، بحيث يعتمد المسار الذي تتبعه إشارة معينة على نوع الإشارة (أي إشارة سمعية أو إشارة بصرية)، وبعدها من خلال سلسلة من الخلايا العصبية المترابطة الموجودة في جميع أنحاء الجسم، تنتشر الإشارات الكهربائية من خلايا المستقبلات إلى الدماغ وبالتالي يدرك الشخص للمحفّزات في البيئة ويعي بوجودها.
التمييز: الإدراك لا يقتصر فقط على أن تصبح مدركًا لوعي المحفزات، بل من الضروري أيضًا لعقلنا تصنيف وتفسير ما الذي نستشعر، بحيث القدرة على تفسير وإعطاء معنى للكائن تكون الخطوة التالية، والمعروفة باسم الاعتراف.
الفعل: يعتبر الفعل آخر مرحلة من عمليّة الإدراك، بحيث تكون كاستجابة على المحفّزات البيئيّة، وقد يشمل مجموعة متنوعة من الإجراءات مثل النشاط الحركي.
أنواع الإدراك
هناك أنواع للإدراك والذي من خلاله يقوم بالتأثير علينا:
الإدراك المكاني
الإدراك المكاني يعني قدرة الشخص على إدراك المسافات وتمييزها في العالم الحقيقي، مثل إدراك المسافة بين شخص وآخر والمسافة بين الأشياء المختلفة، وتتضمن أيضاً إدراك الأجسام المتحرّكة مثل المركبات التي تسير على الطرق.
الإدراك الحركي
من الطبيعي أن تكون الكائنات في حركة مستمرة فهي تظهر في مختلف الأماكن والأوقات، ومن خلال هذه القدرة يستطيع الفرد أن يفهم العالم من حوله ويستطيع إدراك المخاطر والتهديدات، فهي سرّ البقاء، كما أنّ ظاهرة الحركة الواضحة تصوّر الأجسام الثابتة وكأنها تتحرّك فتصبح كأنها وهم برؤية شيء ثابت متحرّك، مثل رؤية الأشجار والمنازل تتحرك بالاتجاه المعاكس عندما نكون على متن السيارة مع أنها في الواقع تكون ثابتة.
الإدراك الشكلي
الإدراك الشكلي يعني قدرة الأشخاص على معرفة الكائنات بشكل معيّن داخل بيئة معيّنة، بحيث هناك بعض القوانين المختلفة التي تحدّد كيفيّة إدراك الأنماط المختلفة في الفضاء حسب علماء جستا لت النفسيّين:
قانون التقارب: هو قانون ينص على رؤية الأجسام أو الكائنات بشكل كامل واحد أو كمجموعة دون رؤية الأجسام أو المكونات الصغيرة التي تتكوّن منها.
قانون التشابه: هو قانون ينص على تجميع العناصر المتشابهة مع بعضها بشكل إدراكي، ويلعب الّلون دوراً مهماً في هذا القانون فإذا نظرنا على شيء عن كثب فإن الأجزاء الصغيرة المتقاربة تكون بنفس اللّون.
قانون الإغلاق: عندما نلتقط أشياء غير كاملة، فإننا نغلقها بشكل مدرك حتى نتصورها في صورة كاملة غير موجودة بالفعل، مثل محاذاة ثلاث دوائر غير مكتملة على شكل هرم، واستشعار المثلث الذي تشكّل باستخدام الإدراك الخاص بالشخص، بالرغم من عدم وجود المثلث فعليّاً.
قانون الشكل الشخصي: يجسد هذا القانون فكرة أنه عندما ندرك مجالًا بصريًا تلعب بعض الأشكال دورًا بارزًا، بينما تنحسر كائنات أخرى في الخلفية مثل الحصول على صورة بالقرب من بحيرة بها تلال وجبال، بحيث سيكون الشخص مركز الصورة، بينما ستكون الأرض المائية والجبال والسماء ومناظر طبيعية أخرى منحسرة في خلفيّة الصورة.
نظريّة الإدراك البصري
هناك العديد من النظريّات التي تخص بعمليّة الإدراك، وأهم هذه النظريّات تلك التي تخص الإدراك البصري، بحيث يميّز العلماء بين نوعين من النظريّات التي تتمحور حول مشكلة شرح العمليّة التي تشكّل بها الطاقة البدنية التي تتلقاها من الأعضاء الحسية:
نظريّة من أسفل إلى أعلى المعالجة
جيمس جيبسون هو أحد علماء النفس وصاحب نظريّة "الواقعيّة المباشرة"، وهي عمليّة بناءة تعتمد على المعالجة من الأسفل إلى الأعلى والتي تنص على أن أننا ندرك الأشياء كما هي في الواقع تماماً وأن حواسنا قادرة على تزويدنا بمعلومات مباشرة دقيقة من العالم الخارجي، ويعتبر هذه النظريّة أيكولوجيّة، حيث إن المعلومات المرئية التي نأخذها من البيئة المحيطة بنا غنية جدًا ولا نحتاج إلى المعالجة المعرفية والتمثيلات الداخلية لفهم تلك المعلومات.
نظريّة من أعلى إلى أسفل المعالجة
جري جوري هو صاحب النظريّة "الواقعيّة غير المباشرة"، وهي عمليّة بناءة تعتمد على معالجة من الأعلى إلى الأسفل، والتي تنص على أن تقوم المعالجة على المعرفة السابقة ونقوم ببناء تصوّر الواقع بناءً على البيئة المحيطة والمعلومات المخزنة، وذلك لأن تفسير المحفّزات الغامضة في بيئتنا تحتاج إلى هذه المعلومات إما من تجارب سابقة أو معرفة مخزنة لإجراء استنتاجات حول ما نتصور.
|